تلعب مؤسسات المجتمع المدني (المنظمات غير الهادفة للربح) مثل الجمعيات الخيرية والمهنية دورا محوريا في سد الاحتياجات المجتمعية التي يعجز عنها القطاعين الخاص والعام أو لا تدخل ضمن اهتماماتهما. وقد يكون من أبرز أدوارها تطوير العلاقات المجتمعية في إطار من المشاركة وبناء القدرات وتعزيز رأس المال الاجتماعي سعيا في تحقيق النفع العام. وقد أدركت حكومة المملكة أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني من خلال تمكين القطاع غير الربحي وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 5% بحلول عام 2030. كما تم إنشاء “المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي” المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي | National Center for Non-Profit Sector لتقديم الدعم الفني والإداري بهدف تكامل الجهود الحكومية والمجتمعية وتوسيع مجالات عمل مؤسسات المجتمع المدني في المجالات التنموية المختلفة. وعلى الرغم من تسجيل هذه المؤسسات نجاحات وإنجازات إلا أن هناك بعضا منها يواجه تحديات ومخاطر تهدد استدامتها وقدرتها على إحداث التأثير المنشود مثل مخاطر الاستدامة في عدة جوانب تتضمن المالية والتشغيلية والسمعة والصورة الذهنية والحوكمة والالتزام وغيرها.
السبب الرئيس – بظني- وراء تلك المخاطر هو الانحراف عن رسالة ومجال عمل المؤسسة وانغماسها بالعمل الروتيني الرتيب والإنجازات الشكلية والتلميع الإعلامي على حساب الجوهر. كثير من مؤسسات المجتمع المدني خاصة الجمعيات المهنية تنطلق من أهداف سامية ومقاصد مجتمعية ولكنها مع مرور الزمن تنحرف عن مسارها وتحيد عن رسالتها. وإشكالية ذلك في إرسال رسالة وهمية في أنها تقوم بأعمال وأنشطة تلبي احتياجات المجتمع أو على وجه الخصوص شريحة المنتسبين إليها في حين أنها تراوح مكانها بل وربما تعطل جهود تحسين مجال عملها وتشويه الصورة المهنية.
قد يكون ذلك نتيجة سيطرة ثقافة تنظيمية منغلقة لا تنشد التطوير والتعلم وإحداث الفرق واتباع أسلوب إداري يعتمد على تضييق المشاركة والمركزية وفرض أجندة عمل باتجاه واحد متجاهلة الاحتياجات الأوسع لأصحاب المصلحة التي تسعى لخدمتهم. ولا شك أن هذا النهج له تبعات سلبية ومخاطر من خسارة بعض المتبرعين أو الداعمين بسبب شعورهم أن دعمهم لا يصل للأهداف المرسومة للمنظمة، إلى صعوبات مالية بسبب التوسع في المجالات خارج نطاق المنظمة والتي تستهلك موارد مالية إضافية، إلى التشتت وعدم تركيز الموارد البشرية – المحدودة غالبا – تجاه هدف المنظمة وبالتالي تضعف الإنتاجية وتضيع الجهود. ناهيك عن تلقي السمعة ضربة قاضية تدمر الإنجازات الماضية بسبب اختلال الثقة مع أصحاب المصلحة المختلفين. وأخيرا، تجاوز اللوائح والأنظمة الذي يؤدي بالمنظمة وإدارتها إلى مشاكل مع الجهات الرقابية.
من هنا كان من المهم اختيار قيادات إدارية تحويلية قادرة على استشراف المستقبل ولديها البصيرة والعزيمة والدافعية لتحقيق الأفضل والارتقاء بالمؤسسة أو الجمعية إلى مستويات أعلى من الأداء وتحقيق النفع العام الذي لا يستطيع تحقيقه الناس كأفراد. بطبيعة الحال لابد من تطبيق ممارسات الحوكمة الرشيدة وما ترتكز عليه من قيم الشفافية، والمشاركة، والرقابة، والمساءلة. مؤسسات المجتمع المدني ليست ترفا اجتماعيا أو مهنيا، ولكن عناصر للتغيير والتطوير والارتقاء بالمجتمع والمهن لتكون رافدا في تحقيق الرؤية الوطنية 2030. الرؤية التي ستنقلنا بإذن الله إلى مستويات أعلى في التنمية المجتمعية والتنافسية الاقتصادية. فهل تفيق تلك المؤسسات والجمعيات المهنية من سباتها وتواجه تحدي المسؤولية المجتمعية!