تلعب لجان المراجعة دور المراقب النابه والضابط الأمين على مصالح المنظمة وأصحاب المصلحة فيها، وتبرز أهميتها في ظل المتغيرات الاقتصادية المتسارعة والتحولات التقنية المتلاحقة وتعقيدات الأنظمة واللوائح. ويكمن نجاح هذه اللجان في القدرة على فهم واستيعاب هذه المتغيرات والمبادرة في صياغة أطر وخطط عمل كفيلة لمواجهة التحديات. وتشير البحوث والدراسات إلى أن فعالية لجنة المراجعة مرهونة بمستوى شفافية المعلومات المحاسبية وجودة التقارير المالية[1]. لكن ما هي السمات والمهارات التي تميز أعضاء لجان المراجعة الفعالة؟ وكيف يمكن لهذه الصفات أن تسهم في تحقيق أهداف اللجنة وتعزيز حوكمة المنظمة؟
المبادئ الأساسية
تعتبر النزاهة والأخلاق المهنية من الركائز الأساسية التي يقوم عليها عمل لجان المراجعة، بل وأي عمل مهني آخر. فهي تمثل البوصلة التي توجه سلوك وأداء أعضاء اللجنة وتضمن تحقيق أهدافها بفعالية وشفافية. ويمكن تعريف النزاهة بأنها الالتزام بأعلى معايير الصدق والأمانة والاستقامة في جميع الأوقات، حتى في ظل الضغوط أو الإغراءات. أما الأخلاق المهنية، فهي مجموعة القيم والمبادئ التي تحكم سلوك المهنيين في مجال عملهم، وتضمن التزامهم بأعلى معايير الكفاءة والاحترافية والمسؤولية.
وتساهم النزاهة والأخلاق المهنية لعضو لجنة المراجعة في تعزيز ثقة أصحاب المصلحة في لجنة المراجعة وفي المنظمة ككل، ويزيد من مصداقية اللجنة ودورها في رشاد حوكمة المؤسسة.
وتأتي الاستقلالية كحجر الزاوية في عمل لجان المراجعة. إذ يتطلب عملها أن يكون عضو لجنة المراجعة مستقلا تماما عن المنظمة التي ينتمي إلى لجنة المراجعة فيها. هذا يعني أنه لا يفترض أن يكون لديه أي علاقة بالمنظمة، مثل العمل السابق فيها (حسب المدد النظامية) أو أي تعاملات تجارية معها. هذه الاستقلالية تضمن أن يكون عضو اللجنة موضوعيا حياديا مهنيا في تقييمه لأداء المنظمة وصحة بياناتها المالية، وألا يتأثر بأي ضغوط أو مصالح شخصية.
وهذه الاستقلالية تستلزم الشجاعة المهنية وقدرة في التصدي للتجاوزات والمخالفات، والدفاع عن المبادئ والقيم المهنية، واتخاذ القرارات الصعبة، وتعزيز ثقافة الشفافية والمساءلة، وكسب احترام وثقة أصحاب المصلحة، مما يسهم في الحفاظ على سلامة وموثوقية التقارير المالية، وحماية المؤسسة من الوقوع في مخاطر قانونية أو مالية، وتحقيق أهداف اللجنة في تعزيز حوكمة المنظمة وحماية مصالح أصحاب المصلحة فيها. لا شك أن العزيمة والجرأة في التصدي لتلك التحديات ليس بالأمر السهل فهناك عوامل كثيرة مثبطة وضاغطة على عضو اللجنة، ولكن وضوح الرؤية والثبات على القيم المهنية والأخلاقية عوامل مساندة لاتخاذ القرارات الصائبة الصعبة والدفاع عن المبادئ والقيم المهنية التي يؤمن بها مهما تكلف الأمر.
وهذا يقودنا للحديث حول أهمية القدرة على اتخاذ القرارات في تقييم البيانات المالية المعقدة، وتحليل الأدلة المتاحة، والموازنة بين البدائل المختلفة، واتخاذ القرارات الحاسمة، دون الالتفات لأي من التدخلات والتفسيرات الشخصية من الآخرين. فالهدف سلامة وموثوقية التقارير المالية، وتطبيق حوكمة المنظمة، وحماية مصالح أصحاب المصلحة.
ومن نافلة القول أن يمتلك عضو لجنة المراجعة حدا أدنى من المعرفة والخبرة اللازمة في مجالات المحاسبة والمراجعة والتمويل وإدارة المخاطر والحوكمة. هذه الخبرة والمعرفة تمنحه القوة في التعامل مع الآخرين وتمكنه من فهم تقارير المنظمة والقوائم المالية، وتقييم فعالية نظم الرقابة الداخلية، وتحديد المخاطر المحتملة التي تواجه المنظمة، واقتراح الحلول المناسبة للتعامل معها.
ومن الناحية المهنية يتعين على العضو أن يكون لديه معرفة جيدة بالمبادئ المحاسبية ومعايير التقارير المالية. ليتمكن من تقييم دقة واكتمال البيانات المالية، وتحديد أي مخالفات أو أخطاء محتملة.
ومن الأهمية بمكان أن يكون لدى أعضاء لجنة المراجعة خبرة في مجال عمل المنظمة. فعلى سبيل المثال، إذا كانت المنظمة تعمل في مجال الخدمات اللوجستية، فمن المفيد أن يكون لدى العضو خبرة كافية في ذات المجال. هذا سيساعده على استيعاب تقارير المنظمة بشكل أفضل مما ينعكس إيجابا على أدائه ومساهمته في تحقيق أهدافها.
ومن هنا تبرز أهمية تكامل وتنوع الخبرات لدى أعضاء لجنة المراجعة. فليس المطلوب أن يكون جميع الأعضاء متخصصين في الجوانب المالية أو المراجعة الداخلية أو الحوكمة والمخاطر، بل تحتاج اللجنة إلى خبرات متنوعة تضيف لمجال الشركة. هذا التنوع يتيح الفرصة للاستفادة من الأفكار والأطروحات ووجهات النظر والخلفيات المختلفة والمتنوعة، مما يضمن اتخاذ قرارات أكثر موضوعية وشمولية وكفاءة.
السمات الشخصية
الحكم السليم والتفكير النقدي والشك المهني
إن من المهارات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها عضو اللجنة أن يكون لديه مهارة الشك المهني. وهي القدرة على تحليل المعلومات المعقدة، وتقييم الأدلة، واتخاذ القرارات الصعبة، مع الحفاظ على موقف استجوابي وصحي تجاه المعلومات المقدمة. هذه المهارات ضرورية لعضو لجنة المراجعة لضمان تطبيق أفضل ممارسات الحوكمة، وحماية مصالح أصحاب المصلحة، والحفاظ على نزاهة وشفافية التقارير المالية.
القيادة والتأثير
ينبغي أن يكون رئيس وأعضاء لجنة المراجعة قادة مؤثرين، قادرين على توجيه عمل اللجنة وتحقيق التوافق بين أعضائها، والتواصل بفعالية مع الإدارة التنفيذية وأصحاب المصلحة، وإلهام الثقة والاحترام، وبناء علاقات عمل قوية. وفي هذا السياق، تشير الأبحاث في المملكة وخارجها إلى أهمية الاستقلالية لأعضاء لجنة المراجعة. لذا تسعى بعض مجالس الإدارة لتعيين أعضاء من خارج المجلس في لجان المراجعة، وهو أمر محمود. ولكن قد تكون رئاسة لجنة المراجعة من قبل عضو مستقل في مجلس الإدارة أدعى في تقوية اللجنة واتصالها بالمجلس واتساق أفكارها مع التوجهات الاستراتيجية للمنظمة وفي زيادة فاعليتها وكفاءتها.
الالتزام والوقت
غالبا ما يكون أعضاء لجنة المراجعة من المهنيين والقياديين غير المتفرغين، لذا تبرز أهمية الالتزام بالمواعيد والخطط الزمنية المجدولة وهذا يعني ضرورة أن يعمل العضو على إدارة الوقت بحيث يخصص الوقت الكافي لأداء مهامه تجاه اللجنة. ومن ذلك أن يكون مستعدا لحضور الاجتماعات وقراءة المواد ذات الصلة وطرح الأسئلة الصعبة. وإذا لم يكن لدى عضو لجنة المراجعة الوقت الكافي للقيام بذلك، فلن يكون قادرا على أداء وظيفته بشكل فعال.
إضافة إلى ما ذكر آنفا من صفات، هناك العديد من الصفات والمهارات الأخرى التي تساهم في فاعلية عضو لجنة المراجعة، منها:
· القدرة على التواصل والعمل الجماعي.
· القدرة على التكيف مع التغيير.
· الفهم العميق لأعمال المنظمة.
· القدرة على التفكير الاستراتيجي.
· الفضول والقدرة على طرح الأسئلة الصعبة.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الصفات بشكل عام يجب توافرها في جميع أعضاء لجنة المراجعة، عدا الأمور التخصصية مثل المعرفة المالية والمحاسبية أو المخاطر والمراجعة الداخلية والمعرفة التخصصية، فهذه يجب توافرها جمعيا في لجان المراجعة ولا يستوجب توافرها فرديا.
والخلاصة أن دور عضو لجنة المراجعة لا يقتصر على مجرد مراجعة التقارير المالية، بل يتعداه إلى لعب دور استراتيجي في تعزيز حوكمة المنظمة وإدارة مخاطرها، وضمان تحقيق أهدافها الاستراتيجية على المدى الطويل. ولعل أبرز ما يميز عضو لجنة المراجعة الفعال هو توافر مجموعة من الصفات والمهارات التي تمكنه من أداء مهامه بفعالية وكفاءة، وفي مقدمتها الاستقلالية التامة والخبرة في مجال عمل المنظمة، بالإضافة إلى الالتزام وتخصيص الوقت الكافي لأداء هذه المهام، مع أهمية الشك المهني والقدرة على طرح الأسئلة الصعبة.
إن توافر هذه الصفات في أعضاء لجنة المراجعة يسهم بشكل كبير في تعزيز دور اللجنة كركيزة أساسية في حوكمة المنظمة، وضمان تحقيق أهدافها الاستراتيجية على المدى الطويل، وحماية مصالح أصحاب المصلحة فيها. لذا، يتعين على المنظمات أن تولي اهتماما خاصا باختيار أعضاء لجنة المراجعة بعناية، وأن تعمل على توفير البيئة المناسبة التي تمكنهم من أداء مهامهم على أكمل وجه.
ختاما، يمكن القول إن عضو لجنة المراجعة الفعال هو بمثابة صمام الأمان لحماية مصالح المنظمة وأصحاب المصلحة فيها، وهو شريك استراتيجي في تحقيق أهدافها الاستراتيجية على المدى الطويل. لذا، يتعين على المنظمات أن تستثمر في تطوير قدرات أعضاء لجان المراجعة، وأن تعمل على تعزيز دورهم كركيزة أساسية في حوكمة المنظمة. وعندما يتحقق ذلك، يمكن للمنظمة أن تواجه التحديات والمخاطر بثقة، وأن تنمو وتزدهر على المدى الطويل.
[1] الشعراوي, حسام حسن محمود. (2022). لجنة المراجعة الفعالة وجودة التقارير المالية: الأثر الوسيط لجودة المراجعة دليل من المملکة العربية السعودية(باللغة الانجليزية). مجلة الاسکندرية للبحوث المحاسبية, 6(2), 47-79. doi: 10.21608/aljalexu.2022.253490