Cert. Dir. | EMBA | CIA | CFE | CRMA | ICCGO

فاعلية دور المراجعة الداخلية تحدده قوة مجلس الإدارة!

يقع على عاتق أعضاء مجلس الإدارة مهمة قيادة المنظمة نحو التميز في مستقبل يكتنفه الغموض والمتغيرات السريعة. هذه المسؤولية لا يستطيعها إلا أعضاء مجلس إدارة يملكون أفكارا جديدة إبداعية وشجاعة في خوض غمار التجربة من خلال سياسات واستراتيجيات توجه المنظمة نحو تحقيق أداء متميز ومرن يستوعب المستجدات، مع ضمان الالتزام بأعلى معايير الحوكمة وإدارة المخاطر والرقابة الداخلية من خلال منح لجنة المراجعة الدور والمسؤوليات والصلاحيات بحيث تتمتع بالاستقلالية والأداء المهني حسب المعايير العالمية. ومن هذا المنطلق تعد المراجعة الداخلية شريكاً استراتيجياً لا غنى عنه في تحقيق هذه الغاية. فهي بمثابة الثرمومتر والعين الناقدة التي تقيّم وتقدم المشورة بشأن مدى فعالية نظم الرقابة الداخلية، وتحديد نقاط الضعف، وتقديم التوصيات اللازمة لتعزيزها. وبالتالي تسهم المراجعة الداخلية في تمكين مجلس الإدارة من اتخاذ قرارات مستنيرة قائمة على معلومات دقيقة وشاملة حول مدى التزام المنظمة بالمعايير الرقابية المعمول بها. كما تساعد في تحديد وتقييم المخاطر التي تواجه المنظمة، واقتراح آليات فعّالة لإدارتها والتخفيف من آثارها المحتملة. ولكن بشرط منحها ما تتطلبه من صلاحيات والأهم القناعة بشراكتها في تنوير طريق مستقبل المنظمة والمساعدة في التخفيف من مخاطر القرارات المستقبلية الغامضة.

وقد حصلت لي فرصة العمل في عدة منظمات ذات مجالس إدارة ولجان مراجعة قوية وممكنة، حققت تميزا في الأداء من خلال تناغم الأدوار بين المجلس والمراجعة الداخلية. أتاحت لي هذه التجارب أن أرى بشكل مباشر تصرفات رؤساء وأعضاء المجالس والأثر الذي يشكله مجلس الإدارة ولجنة المراجعة القويان إداريا ومهنيا في تحقيق كفاءة وفاعلية عمليات المراجعة الداخلية والوصول لأوضاع مربحة لجميع الأطراف. ومع هذا، فليست كل مجالس الإدارة على نفس القدر من المعرفة والقدرة والفاعلية لمثل هذا التمكين. وقد يكون السبب درجة الاهتمام التي يوليها الأعضاء في تحقيق أهداف المنظمة وما يتطلبه من بذل الجهد الفكري والوقت. وقد يرجع هذا لعدم تناسب قدرات الأعضاء مع احتياجات المنظمة. فبعض أعضاء مجالس الإدارة يملكون القدرة الفنية اللازمة، ولكن المجلس الذي ينتمون إليه لا يشكل أولوية لانشغالهم وارتباطهم بجهات كثيرة أو بجهات أكثر أهمية لهم وأكثر حاجة لتركيزهم. وبالتالي لا يولون المنظمة الاهتمام المطلوب من ناحية الوقت والفكر والالتفات لتحديات الحوكمة وإدارة المخاطر. والأداء المتدني في بعض الشركات المدرجة ينبئ عن معانتها بسبب ضعف مجالس إداراتها ولجان المراجعة فيها. وهذا من دون شك يمتد تأثيره السلبي على أداء المراجعة الداخلية. تستعرض هذه المقالة بعض ممارسات مجالس الإدارة الممكنة لإدارة المراجعة الداخلية.

أولا: إنشاء لجنة مراجعة قوية مهنيا ومستقلة إداريا

يتعين على مجلس الإدارة إنشاء لجنة مراجعة تتألف من أعضاء مستقلين متسمين بالنزاهة ويتمتعون بالصلاحيات وبالخبرة اللازمة لأداء واجباتهم (متضمنا الخبرة المالية والمراجعة الداخلية والحوكمة وإدارة المخاطر). كما يتوقع من أعضاء لجنة المراجعة الفهم العميق لأعمال الشركة والقدرة على التواصل الفعال والالتزام والمسؤولية والشجاعة المهنية والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة. توافر هذه الصفات في أعضاء لجنة المراجعة تطمئن مجلس الإدارة حول إشراف اللجنة على أنشطة المراجعة الداخلية ومراجعة نتائجها وضمان استقلاليتها. ومن المشاهد عند تعيين أعضاء غير أكفاء أو غير متفرغين تأثيرات ذلك على أداء المراجعة الداخلية من حيث قلة وضعف المداولات في الاجتماعات أو غياب القيادة وعدم وضوح توجه اللجنة أو المجاملات الشخصية على حساب كفاءة وفاعلية القرارات أو عدم مساندة المراجعة الداخلية في مواضيع الموارد المالية والبشرية والتقنية أو في ضعف تفاعلها مع تجاوزات الإدارة التنفيذية وضعف مساءلة الإدارة التنفيذية حول مسار الخطط التصحيحية وغيرها.

ثانيا: ضمان استقلالية المراجعة الداخلية

تعتبر استقلالية المراجعة الداخلية أمرا بالغ الأهمية لمجلس الإدارة ولجنة المراجعة في تقييم العمليات والضوابط الرقابية بموضوعية وبدون تحيز، مما يعزز مصداقية تقارير المراجعة الداخلية ويوفر لمجلس الإدارة الموثوقية في المعلومات التي يتلقاها. كما تزيد الاستقلالية من فعالية تقييم المخاطر، وتعزيز المساءلة والشفافية داخل المنظمة، وحماية مصالح أصحاب المصلحة، وغيرها. وقد أرشدت المعايير الدولية للمراجعة الداخلية وممارسات الحوكمة إلى عدد من المحاور التي تضمن استقلالية المراجعة الداخلية ومنها اعتماد مجلس الإدارة للائحة عمل المراجعة الداخلية، واعتماد المجلس أو لجنة المراجعة لخطة المراجعة الداخلية، وتعيين رئيس المراجعة الداخلية أو إعفاؤه أو تغييره وتحديد مكافأته من قبل المجلس، والتبعية الوظيفية لرئيس المراجعة الداخلية للجنة المراجعة، وتقييم أداء المراجعة الداخلية ورئيسها من قبل لجنة المراجعة، والتأكد من كفاية موارد المراجعة الداخلية واعتماد ميزانيتها، كما أن لرئيس المراجعة الداخلية حق الوصول للمجلس بشكل مباشر متى ما استدعى الأمر. وكل هذه المحاور معروفة لدى أغلبية أعضاء مجالس الإدارة ولجان المراجعة، ولكن يكمن التحدي في أسلوب وطريقة التنفيذ. فعلى سبيل المثال، بعض لجان المراجعة تفوض الإدارة التنفيذية بمقابلة واختيار رئيس المراجعة الداخلية، وبعضها يطلب من الرئيس التنفيذي تقييم رئيس المراجعة الداخلية. هذه الممارسات تضعف استقلاليتهم وتسلبهم الموضوعية أو في المقابل خلق صراعات ونزاعات أساسها المبادئ المهنية المترسخة لدى المراجع الداخلي المتمكن!

ثالثا: إرساء ثقافة الحوكمة والممارسات الأخلاقية في المنظمة

إن إرساء ثقافة قوية للحوكمة والأخلاقيات يخدم المراجعة الداخلية بشكل كبير. فهو يوفر بيئة عمل داعمة للمراجعين الداخليين، ويسهل عليهم أداء مهامهم بفعالية. كما يقلل من احتمالية حدوث مخالفات أو تجاوزات، الأمر الذي يزيد من كفاءة المراجعة الداخلية ويجعلها أكثر تركيزا. بالإضافة إلى ذلك فإن ثقافة الحوكمة والأخلاقيات القوية تعزز من مصداقية تقارير المراجعة الداخلية، وتزيد من ثقة أصحاب المصلحة في نتائجها. ويمكن لمجلس الإدارة إرساء هذه الثقافة بأسلوب القيادة بالقدوة والالتزام بالقيم (the tone at the top)، وتطوير مدونة السلوك المهني وأخلاقيات العمل، وإنشاء قنوات اتصال آمنة للإبلاغ عن المخالفات، والمراقبة والتقييم المستمر، والتزام الشفافية في الإفصاح عن المعلومات. وهناك العديد من الشواهد التي تظهر أهمية إرساء هذه الثقافة في المنظمة، فضعف الحوكمة يؤدي إلى ضعف الرقابة الداخلية، وزيادة احتمالية تضارب المصالح، وغياب الشفافية والمساءلة، والتأثير السلبي على سمعة المنظمة.

ختاما

يمكن القول إن العلاقة بين مجلس الإدارة ولجنة المراجعة والمراجعة الداخلية هي علاقة تكاملية ترابطية، حيث يساهم كل طرف في تعزيز دور وفعالية الطرف الآخر، فالدعم الذي يقدمه مجلس الإدارة ولجنة المراجعة للمراجعة الداخلية، من خلال الإشراف والتوجيه وتوفير الموارد اللازمة وضمان الاستقلالية، يعزز دور المراجعة الداخلية كشريك استراتيجي في تحقيق أهداف المنظمة، وضمان سلامة عملياتها، وتعزيز ثقة أصحاب المصلحة فيها.

إن نجاح المراجعة الداخلية لا يعتمد فقط على كفاءة ومهنية المراجعين الداخليين، بل يتطلب أيضا وجود مجلس إدارة ولجنة مراجعة فاعلين وملتزمين بأعلى معايير الحوكمة. وعندما يتحقق هذا التكامل، يمكن للمنظمة أن تحقق أهدافها الاستراتيجية، وأن تواجه التحديات والمخاطر بثقة، وأن تنمو وتزدهر على المدى الطويل.

لذا يتعين على مجالس الإدارة ولجان المراجعة أن تولي اهتمامًا خاصًا بتعزيز دور المراجعة الداخلية، وأن تعمل على توفير البيئة المناسبة التي تمكنها من أداء مهامها على أكمل وجه، فالاستثمار في المراجعة الداخلية هو استثمار في مستقبل المنظمة ونجاحها واستدامتها.