Cert. Dir. | EMBA | CIA | CFE | CRMA | ICCGO

تطوير المراجعة الداخلية في المملكة العربية السعودية .. من جيد إلى ممتاز

سئلت في نهاية إحدى الندوات عن مستوى المراجعة الداخلية في المملكة العربية السعودية،  وقد أوضحت أنها متطورة ومتميزة ومرشحة لمزيد من الارتقاء المهني والتكيف مع المستجدات بما يتماشى مع الحراك الإصلاحي المؤسسي والتحول في الفكر الإداري والتنظيمي الذي تشهده المملكة، تقوده رؤية وطنية رفعت من سقف التوقعات مستهدفة “حكومة فاعلة” في الأداء  مستجيبة لمتطلبات التنمية ومحققة للكفاءة في استخدام الموارد. هذا التطور المذهل في الإصلاح الإداري شمولي طال جميع القطاعات والتخصصات بما فيها المراجعة الداخلية، بل أظهر أهمية دور المراجعة الداخلية في التأكد من تطبيق السياسات وتحقيق المستهدفات وهو أمر بالغ الأهمية في هذه المرحلة الانتقالية وما يكتنفها من تحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتقنية. وقد تكون شهادتي بزملاء المهنة مجروحة، ولكن لابد من التنويه بأن لدينا كفاءات متميزة وقيادات احترافية في إدارات المراجعة الداخلية وعضوية لجان المراجعة ومجالس الإدارة وهي سر النجاحات والإنجازات التي نشهدها في مجال المراجعة الداخلية السعودية. وقد انكشف لي هذا التميز لتلك الكفاءات الوطنية بشكل أوضح زاد من قناعتي وإيماني بالمستوى المهني للمراجع الداخلي السعودي خلال عملي كمراجع داخلي زائر في شركة متعددة الجنسيات في إحدى الدول الغربية، ووجدت أن مستوى فهم وتطبيق المراجعة الداخلية في كثير من المنظمات السعودية أفضل، بل وأفضل بكثير من تطبيقه في تلك الشركة العملاقة. ومع ذلك، يتكرر السؤال هل هناك مساحة للتحسين والتطوير؟ والجواب نجدده في فلسفة صانع القرار ومنطلقات الرؤية   ،أن النجاحات والإنجازات تدفع لمزيد منها وأنه يتوجب ألا نسترخي في منطقة الراحة علّنا نلحق ونقود العالم الأول.

هذه الاستحقاقات الوطنية تتطلب  بناء فريق للمراجعة الداخلية قوي يحقق الحوكمة الرشيدة ويعزز كفاءة الأداء المؤسسي بما يتناسب مع مساحة حرية صنع القرار للقيادات الإدارية من أجل الابداع والتكيف مع المتغيرات البيئية. ولذا هناك حاجة إلى بناء مجتمع مهني للمراجعة الداخلية بثقافة مهنية عالية مبنية على التراكم المعرفي وتوثيق التجربة السعودية وإعداد صف ثاني من الكفاءات المدربة  قادرة على مواجهة التحديات الجديدة وتقديم قيمة مضافة لمنظماتها.

ولتحقيق ذلك، يحتاج المراجعون الداخليون أولا إدراك دورهم المهم للغاية في هذه المرحلة التنموية وما يكتنفها من تحديات والعمل على تطوير قدراتهم المعرفية وتوسيع مداركهم في رؤية الصورة الكبيرة وبناء قدراتهم التحليلية وتوظيف معرفتهم في فهم الواقع الإداري فهما واضحا بجميع أبعاده. وقد تكون البداية ترسيخ دعائم معرفتهم بالمعايير الدولية للمراجعة الداخلية التي يضعها المعهد الدولي للمراجعين الداخليين (IIA). إلى جانب ذلك، صقل مهاراتهم الأساسية في مجالات تقييم المخاطر واختبارات الضوابط الرقابية وإجراءات المقابلة وغيرها. وبالنظر إلى التطور المستمر الذي يشهده مجال المراجعة الداخلية، فإن مواكبة آخر المستجدات من خلال البرامج التدريبية التي تقدمها الجمعية السعودية للمراجعين الداخليين (IIA السعودية) والمؤسسات الأخرى يعد أمرا ضروريا لضمان استمرار كفاءة المراجعين وفعاليتهم ومن باب التطوير المستمر.

أيضا، يلعب دور التقنيات الرقمية دورا متعاظما في العمليات التجارية بالسوق السعودية والعالمية. ولذلك، بات من الضروري أن يطور المراجعون الداخليون مهاراتهم في مجال مراجعة تقنية المعلومات والأمن السيبراني، والمراجعة باستخدام أدوات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي. وتبرز الحاجة أيضا إلى إدراك المخاطر الناشئة مثل تلك المرتبطة بالاستدامة البيئية (ESG) والأمن السيبراني، وكيفية إدراجها ضمن خطط المراجعة لمواجهة التحديات التي تطرحها على المنظمات. والأهم من ذلك، وهو ما يحدث حاليا، ينبغي أن يتحول دور المراجع الداخلي من مجرد كاشف للأخطاء إلى شريك استراتيجي يساهم بفعالية في تحسين عمليات المنظمة وتعزيز حوكمتها وجميعها تصب في تعزيز عملية التعلم التنظيمي.

للجامعات السعودية دور مهم كرافد أساسي في إعداد كوادر مؤهلة من خلال إدراج مقررات دراسية في مجال المراجعة الداخلية ضمن تخصصات إدارة الأعمال والإدارة العامة. وينتظر منها أيضا تطوير برامج وشهادات مهنية تدعم الطلب المتزايد على مهنة المراجعة الداخلية. ولمعهد الإدارة العامة تجربة رائدة في تطوير دبلوم عالٍ في المراجعة الداخلية وهو مجهود يذكر ويشكر. وعلى صعيد المؤسسات، فإن الاستثمار في تدريب وتطوير مهارات المراجعين الداخليين لديها يعد أمرا بالغ الأهمية. ويتمثل ذلك في توفير فرص لتدوير المهام – داخل إدارة المراجعة الداخلية وخارجها – واكتساب خبرات جديدة إلى جانب الاستقلالية المهنية والوصول إلى المعلومات اللازمة والدعم الإداري الكامل. كما أن تدوير أعضاء برامج تطوير المهارات القيادية الواعدة (HiPo) بحيث يقضون مدة سنة إلى سنتين في إدارة المراجعة الداخلية له عظيم الأثر في فهم الحوكمة وإدارة المخاطر وأسس الرقابة الداخلية، ويساعد نشاط المراجعة الداخلية في رفع الوعي والإفادة من المواهب القيادية والفنية في أداء أعمالها.

وهكذا نجد أن الاستثمار في تطوير مهارات وقدرات المراجعين الداخليين يصب في مصلحة المنظمات الحكومية والخاصة والقطاع غير الربحي على حد سواء. فمن خلال تعزيز المعرفة والمهارات والخبرة، يمكن للكوادر السعودية المؤهلة في المراجعة الداخلية المساهمة بشكل فعال في تحقيق رؤية 2030 وتطوير المراجعة الداخلية في المملكة من جيد إلى ممتاز!