Cert. Dir. | EMBA | CIA | CFE | CRMA | ICCGO

التأكيد المشترك .. تعزيز الموثوقية الداخلية والخارجية للمنظمة

تحتم بيئة الأعمال المتسارعة والمعقدة التي نعيشها اليوم، منح القيادات الإدارية مساحة من السلطة التقديرية في صنع القرارات لمواجهة تلك التحديات والمستجدات التي لم تعهد من قبل. لتجد تلك القيادات نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات إبداعية جريئة في مواجهة مستقبل يكتنفه الغموض والتقلبات. وهنا تكمن صعوبة التنبؤ وحساب النتائج بشكل دقيق ما قد يعرض المنظمة لبعض المخاطر. ولذا كانت أحد مهام المراجعة الداخلية الاساسية رفع كفاءة أنشطة التأكيد بتبني   مفهوم “التأكيد المشترك” كأداة لتعزيز التعاون والتكامل بين مختلف أنشطة التأكيد في المنظمة، بما في ذلك المراجعة الداخلية والخارجية وإدارات المخاطر والالتزام والجودة وغيرها.


ويمكن تعريف التأكيد المشترك بأنه نهج استراتيجي يهدف إلى تحقيق أقصى استفادة من موارد المنظمة المتاحة للرقابة والمراجعة (التأكيد)، وذلك من خلال تنسيق وتكامل جهود مختلف الأطراف المعنية بتقديم تلك الخدمات. ويسعى هذا النهج إلى تجنب الازدواجية في العمل، وتحسين كفاءة عمليات المراجعة، وتعزيز جودة التقارير المقدمة للإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة.

وبحسب المعايير العالمية للمراجعة الداخلية، فإن المعيار 9.5 (التنسيق والاعتماد) يصف المتطلبات لاستيفاء هذا المعيار كالتالي:

“يجب على الرئيس التنفيذي للمراجعة الداخلية أن ينسق مع مقدمي خدمات التأكيد الداخليين والخارجيين وأن يفكر في الاعتماد على عملهم.”


هذا التنسيق والاعتماد ينطوي على فوائد عدة تتعلق بفاعلية وكفاءة عمليات التأكيد في المنظمة، وتتضمن:

  • ضمان التغطية المناسبة: يعد ضمان تغطية جميع مجالات المخاطر الهامة أحد أهم فوائد التنسيق والاعتماد. فمن خلال التعاون مع مقدمي خدمات التأكيد والاستشارة الآخرين، يمكن للمراجعة الداخلية توسيع دائرة التغطية، وفي وقت مناسب، والتأكد من كفاية أدوات الرقابة الداخلية في تخفيف المخاطر. هذا يعني تقليص الثغرات في التغطية، وأن كل خطر يحظى بالاهتمام اللازم من قبل الجهة المختصة. وفي بعض الأحيان، يتعسر على المراجعة الداخلية عمل المهمات التأكيدية لأسباب فنية أو لوجستية وفي مثل هذه الحالات تقوم جهة أخرى بأعمال التأكيد وتقوم المراجعة الداخلية بالتأكد سلامة من مخرجات تلك الجهة والطريقة التي عملت بها.
  • تجنب ازدواجية الجهود: يساعد التنسيق الفعال بين مختلف مقدمي خدمات التأكيد والاستشارة في تجنب تكرار العمل. فبدلا من أن يقوم كل فريق بتقييم نفس العمليات أو المخاطر بشكل مستقل، يمكنهم تبادل المعلومات والتنسيق فيما بينهم لتقسيم العمل وتجنب الازدواجية. هذا النهج يوفر الوقت والجهد والموارد، ويسمح لكل فريق بالتركيز على مجالات خبرته الأساسية. وعلى سبيل المثال، إذا كان كل من المراجعة الداخلية وإدارة المخاطر يخططان لتقييم نفس العملية، يمكن للتنسيق أن يضمن قيام إحدى الجهتين بهذا التقييم، وتقوم الجهة الأخرى بالتركيز على عملية أخرى، أو يتفقان على التقييم في أوقات مختلفة بحيث تعطيان تأكيدا على مدى أطول. ومن خلال الاستفادة من عمل الآخرين وتجنب الازدواجية، يمكن للمراجعة الداخلية تحقيق أهدافها بشكل أكثر كفاءة وفعالية.
  • تحسين إدارة المخاطر: يساهم التأكيد المشترك في تحسين كفاءة إدارة المخاطر من خلال توفير رؤية شاملة ودقيقة حول المخاطر التي تواجهها المنظمة وذلك من خلال التنسيق المشترك والاتفاق حول أطر وآليات إدارة المخاطر. فمن خلال مشاركة وتكامل المعلومات والرؤى من مختلف أنشطة التأكيد، يمكن للمنظمة تحديد وتقييم المخاطر بشكل أكثر فاعلية، واتخاذ القرارات المناسبة لإدارتها.
  • تحسين جودة التقارير: يوفر التأكيد المشترك للإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة تقارير أكثر شمولية وتكاملا حول حالة الرقابة الداخلية وإدارة المخاطر في المنظمة. هذه التقارير لا تقدم فقط نتائج عمل المراجعة الداخلية، ولكنها تتضمن أيضا رؤى من مقدمي خدمات التأكيد والاستشارة الآخرين. وبالتالي تمكن هذه التقارير الإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة من الحصول على فهم أفضل لحالة الرقابة الداخلية وإدارة المخاطر، الأمر الذي يساهم في اتخاذ قرارات استراتيجية أفضل.
  • تعزيز الثقة والشفافية: يساهم تطبيق التأكيد المشترك في تعزيز ثقة أصحاب المصلحة في المنظمة، مثل المستثمرين والعملاء والهيئات الرقابية. وذلك من خلال إظهار أن المنظمة تطبق أفضل الممارسات في إدارة المخاطر والرقابة الداخلية، مما يعزز الشفافية ويثبت جدية المنظمة في إدارة مخاطرها والتحكم في عملياتها. وقد يؤدي نشر تقرير سنوي حول جهود التأكيد المشترك إلى طمأنة المستثمرين بأن المنظمة لديها ضوابط داخلية قوية وأنها تدير مخاطرها بفعالية، مما يعزز ثقتهم في المنظمة ويزيد من استعدادهم للاستثمار فيها.
  • كما تشير ورقة بحث معدة من قبل جمعية المراجعين الداخليين (بعنوان: Combined Assurance – Aligning Assurance For Effective Risk Management) إلى فوائد إضافية للتأكيد المشترك وهي تحسين عملية نقل المعرفة لأطراف التأكيد، والتركيز على المخاطر المرتفعة، وتوحيد شكل ورسالة التأكيد التي تصل للإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة.

مما سبق يتأكد دور المراجعة الداخلية المحوري في تطبيق نهج التأكيد المشترك، حيث يمكنها مركزها الإداري المستقل من العمل كمنسق وميسر لجهود التعاون والتكامل بين مختلف وظائف الضمان. ويتمثل دورها في:

  • تقييم وتنسيق جهود التأكيد حيث تقوم المراجعة الداخلية بتقييم مدى فعالية جهود التأكيد التي تقدمها مختلف الأطراف، وتحديد مجالات التعاون والتكامل الممكنة. ومن ذلك، رسم خرائط التأكيد وذلك بتحديد المخاطر العليا للمنظمة ومزامنة طبيعة ونطاق وتوقيت المهام، وتحديد والاتفاق على الأطر والتقنيات وطرق ومصطلحات التأكيد، وإتاحة الوصول لبرامج العمل والتقارير.
  • تطوير خطة التأكيد المشترك فتعمل المراجعة الداخلية مع الأطراف الأخرى على تطوير خطة شاملة للضمان المشترك، تحدد الأدوار والمسؤوليات وآليات التنسيق وتبادل المعلومات.
  • تقوم المراجعة الداخلية بمراقبة وتقييم أداء مختلف الأطراف المشاركة في التأكيد المشترك، والتأكد من تحقيق الأهداف المرجوة.
  • تعد المراجعة الداخلية تقارير دورية للإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة حول حالة التأكيد المشترك، وتسليط الضوء على نقاط القوة ومجالات التحسين.

على الرغم من الفوائد العديدة لتطبيق التأكيد المشترك، إلا أنه قد يواجه تطبيق التأكيد المشترك بعض التحديات، مثل:

  • ضعف الإرادة القيادية للتأكيد المشترك سواء من مجلس الإدارة ممثلا بلجنة المراجعة أو الإدارة التنفيذية متضمنة أنشطة التأكيد الداخلية أو المراجعة الداخلية ذاتها. وعادة ما ينشأ هذا التحدي من خلل في فهم المعايير العالمية أو الأهداف والآليات والفوائد المترتبة على مثل تلك الترتيبات. بالإضافة إلى ذلك، قد يعطي المجلس أو لجنة المراجعة أو المراجعة الداخلية وزنا أكبر للتأكيد المستقل على حساب التأكيد المشترك ويرون فيه إخلالا أو إضعافا في قوة ودقة ونطاق التأكيد. ومن جهة أخرى فإن الإدارة التنفيذية وأنشطة التأكيد التابعة لها قد تتحاشى العمل مع المراجعة الداخلية للعمل على التأكيد المشترك لأنها تشعر بأن عملها يتعرض للمراجعة الدائمة من قبل المراجعة الداخلية.

وبرأيي أن هذا التحدي يمكن تجاوزه بفهم أعمق للمعيار الذي يوجب على الرئيس التنفيذي للمراجعة الداخلية التنسيق مع مقدمي خدمات التأكيد والنظر في فرص الاعتماد على أعمالهم التأكيدية وللأسباب التي ذكرناها آنفا. كما تقع على عاتق الرئيس التنفيذي للمراجعة الداخلية مسؤولية رفع الوعي لدى جميع الأطراف ذات العلاقة حول أهمية وفوائد وآليات التأكيد المشترك لرفع مستوى التأكيد، وأيضا التركيز على نقطة أنه مسؤول عن هذه العملية والتأكيد حولها.

  • لأن المراجعة الداخلية مسؤولة عن مخرجات النطاق الخاضع للتأكيد المشترك، قد تنشأ عن ذلك تحديات تخل بالاستقلالية أو الموضوعية. ومن ذلك تدني جودة الأعمال المقدمة من مزودي خدمات التأكيد الآخرين، واختلاف الآراء حول فهم المخاطر أو درجة تأثيرها، وضعف موضوعية مقدمي خدمة التأكيد، وهذا كله قد يؤثر سلبا على سمعة المراجعة الداخلية وأعمالها.

ولذلك، يجب أن يتنبه الرئيس التنفيذي للمراجعة الداخلية لهذه التحديات ويتأكد من توافقها مع المعايير وسلامة استقلالية وموضوعية المراجعة الداخلية كونه مسؤولا عن هذه المخرجات، ومناقشة الإدارة التنفيذية ولجنة المراجعة حول التحديات أو المخاطر ذات العلاقة ووضع الخطط التصحيحية لعلاجها. كما قد يتجه لمراجعة نطاق التأكيد المشترك لتقليصه أو تغييره حسب ما يراه مناسبا لسلامة التأكيد.

  • قد تواجه المنظمات صعوبات في تبادل المعلومات الحساسة بين أنشطة التأكيد المختلفة، بسبب مخاوف تتعلق بالسرية وأمن المعلومات. وبالتالي على الرئيس التنفيذي للمراجعة الداخلية التأكد من الحفاظ على السرية وإيجاد طرق مبتكرة واستخدام التقنيات المناسبة لإنجاح التأكيد المشترك دون الوقوع في مخاطر تسرب المعلومات.
  • قد يكون من الصعب قياس أداء مختلف الأطراف المشاركة في التأكيد المشترك، وتقييم مدى مساهمتها في تحقيق الأهداف المرجوة خصوصا في البدايات. وعلى الرئيس التنفيذي للمراجعة الداخلية الاتفاق مع الأطراف ذات العلاقة حول مؤشرات الأداء الخاصة بالتأكيد المشترك بما يضمن تحقيق أهدافه.

وخلاصة

يمثل التأكيد المشترك نهجا استراتيجيا فعالا لتعزيز إدارة المخاطر والرقابة الداخلية في المنظمات. ومن خلال التعاون والتكامل بين مختلف أنشطة التأكيد، يمكن للمنظمات تحقيق أقصى استفادة من مواردها المتاحة، وتحسين كفاءة عمليات التأكيد، وتعزيز جودة التقارير المقدمة للإدارة التنفيذية ومجلس الإدارة، وبالتالي تحقيق أهدافها الاستراتيجية وتعزيز موثوقيتها ومكانتها التنافسية في السوق.